من أجل التغيير في المغرب

يمر المغرب بمختلف جهاته بظرفية دقيقة و أحداث متسارعة تضع الشعب
المغربي بكل فئاته و أطيافه أمام تحديات جسيمة في ظل التحولات العميقة
التي تشهدها الساحة الإجتماعية و تنامي الحراك الجماهيري المطالب بإسقاط
الفساد و القطع مع الدولة المخزنية و إرساء دولة الحرية و الكرامة و
العدالة الإجتماعية ،تقابله من الجهة ألأخرى إصرار السلطة السياسية
المركزية الحالية التي تهيمن على الحكم منذ تشكلها 1956 على الممانعة ضد
هذه المطالب و اتباعها لنفس الأساليب القديمة عبرمحاولة فرض صيغة من
السلم الإجتماعي و السياسي بتوافق مع القيادات الحزبية و النقابية
المركزية التقليدية التي لا تمثل نبض الشارع المغربي : الإتفاق
الإجتماعي لأبريل و المشروع الجديد للدستور و كذا الصيغة المعتمدة في
إخراجه.بينما الشعب ماض في المطالبة بالتغيير على أساس تعاقد إجتماعي
حقيقي و ضامن كما عرفته تجارب ديمقراطية عديدة يجرى عبر مرحلة انتقالية
نزيهة يأتمن عليها الشعب و تحت شروط أساسية من بينها إسقاط الحكومة و حل
البرلمان بغرفتيه و انتخاب هيئة تأسيسية تتكلف بالإعداد لمشروع الدستور
الجديد.

لماذا الشعب يريد التغيير؟

إن الحراك الإجتماعي الذي يشهده المغرب لا يعتبر مجرد مسألة تأثر
بالثورات التي تشهدها مجموعة من البلدان المتوسطية و الشرق الأوسطية ،بل
يمكن الجزم أن هذا الحراك قد بدأ في المغرب منذ عدة سنوات و كان خافتا و
ازدادت حدته مع تنامي الأزمة الشاملة التي باتت تمس مختلف القطاعات و
الميادين و درجة خطيرة من التمييع السياسي و سوء التسيير و التدبير و
تدني الحس الوطني و الضمير الأخلاقي في اداء المسؤوليات ،و فشل متعاقب و
متتابع للإصلاحات(التعليم و الصحة و ....وتأزم الوضعية الإجتماعية لفئات
واسعة من الشعب بسبب البطالة و الغلاء الفاحش و ضعف اجور العمال و تدني
الخدمات الإجتماعية و هو ما زاد من تقهقر وضعية المغرب في سلم التنمية
البشرية رغم ما صرف من ميزانيات باهضة و ديون متفاقمة يؤدي ثمنها الشعب
المغربي بعرق جبينه .

إن الشعب يريد التغيير لأنه يحس بأن هذا الوطن لا يتسع للجميع ،و أقنعته
تجربة طويلة من السياسات و الإصلاحات و الوعود الغير المنجزة على فشل
الحكم المركزي و إفلاس مشروعه في تحقيق تطلعات الشعب المغربي ، فرغم
الموقع الإستراتيجي الهام الذي يحتله المغرب و ثرواته الهائلة و المتعددة
،فإن الازمة الإجماعية للشعب ما فتئت تحتد ،و فئات واسعة من الشعب تعيش
الإقصاء الاجتماعي و محرومة من حقوقها الأساسية في المواطنة و العيش
الكريم.

إن الشعب المغربي يريد التغيير لأنه يحس بالحكرة و الظلم الإجتماعي، و
يشاهد طاقاته و خاصة منها الشابة تضيع و بدون مستقبل يلوح في الأفق،
بمقابل المستوى الإجتماعي و الثقافي و الرياضي و العلمي ...إلخ الذي
بلغته الشعوب الاخرى المتقدمة و في ظل غياب استراتيجية وطنية واضحة لفك
هذه الأزمة بينما يعاين ثرواته و موارده و بيئته تبدد تحت نزيف الفساد
و سوء التسيير و التدبير و غياب الحس الوطني،و تحكم نخب مركزية محدودة في
المشهد السياسي و النقابي.

إن الشعب المغربي يريد التغيير لأن الدولة المغربية الحالية تفتقد إلى
أهم ركيزة اساسية هي العدالة الإجتماعية و عدم استقلالية القضاء و
ارتباطه بالسلطة السياسية و هو ما يجعل السلطة السياسية و كل من تحميهم
قادرين على الإفلات من المحاسبة ،و يسمح بتنامي الفساد و البيروقراطية،و
الشطط في استخدام السلطة،و اعتماد آليات زبونية و مصلحية و في إسناد
المناصب .

إن الشعب يريد التغيير لانه أصبح راشدا واعيا بحقوقه و واجباته و يرفض
الإستمرار في احتقار ذاته و يحس بأن المغرب أضاع كثيرا من الوقت و الفرص
للتنمية و لا يريد أن يضيع المزيد،و يريد ضمانات حقيقية تستمد شرعيتها من
الشعب المغربي و تاريخه من شأنها أن تشكل أرضية لمشروع مجتمعي يقطع مع
الدولة المخزنية و تضمن الإنتقال الآمن إلى الدولة الديمقراطية الضامنة
للتاريخ الأصيل للمغرب و عمقه الحضاري و الخصوصية.

إن الشعب يريد التغيير لأنه يريد أن يقرر مصيره بننفسه و إقرار دستوره
الديمقراطي المعبر عن هويته الدينية و الحضارية و خصوصياته المتعددة و
المشتركة،و الضامن للحق و المساواة ،و العدالة الإجتماعية و احترام
القانون و القادر على إخراج البلاد من أزماته في إطار ملكية برلمانية
تضمن فصل السلط و استقلالية القضاء،و حيث الدين مستقل عن السياسة
باعتباره للجميع،و الإقرار بالأمازيغية كلغة رسمية إلى جانب العربية ،و
ضمان الحق للشعب المغربي في التسيير الذاتي لأموره في إطار اللامركزية و
مبدأ دولة الجهات المتضامنة، بما يكرس الوحدة الوطنية و يضمن الإجابة
الشاملة على المطالب المشروعة للجهات التاريخية بالمغرب، و التقسيم
العادل للثروة والسلطة بين الجهات والمركز.

إن الشعب المغربي يريد التغيير لأن ليس لديه خيار آخر سوى ذلك و ليس لديه
ما يخسره أكثر مما خسره ،لأنه يتطلع إلى الحرية و الكرامة و العدالة
الإجتماعية ،لإنه يريد المواطنة الحقيقية حيث الحقوق و الواجبات متبادلة
بين الدولة و المواطن ،حيث المساواة و العدالة الإجتماعية و تكافئ الفرص
في الإستفادة من خيرات الوطن و من الخدمات الإجتماعية للدولة.

إن الشعب يريد التغيير لأنه يطمح للخروج من الأزمة و يطمح إلى دولة
متقدمة قادرة على توفير الأمن و الإستقرار و العيش الكريم للشعب، و قادرة
على الإنخراط في التحديات العالمية على مختلف المستويات و الجبهات البيئة
و الإجتماعية و العلمية و الثقافية و الرياضية و الإقتصادية و الفنية
...و اكتشاف الفضاء إلخ،يساهم فيها الشعب من مختلف جهاته التاريخية
بسواعده و أفكاره.

إن الشعب المغربي شعب عريق تمتد حضارته إلى المئات الآلاف من السنين:
الحضارة الآشولية نموذجا ،و تجربته ليست جديدة ، له أمجاد كثيرة في
تاريخه و سجل عدة منجزات و ملاحم بطولية ،و مثلما في الأمس فإنه اليوم
قادر على إنجاز التغيير بالإتحاد و العزيمة و الصبر و الإحساس بالوطنية،
و استلهامه من بطولات أجداده روح التضحية في سبيل الوطن و الذي تهون كل
التضحيات في سبيله،فبالهدف النبيل و بالإتحاد و التضحية و الصبر، و
بالعمل الجماعي يستطيع الشعب أن يصنع المجد،و إذا الشعب اتحد فإنه لا
يتحد على ظلالة.

إذا الشعب يوما أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر
لابد لليل أن ينجلي لابد للقيد أن ينكسر

محمد جلول

الإعلام النقابي للفضاء النقابي الديمقراطي